الاختصاصات القضائية في مادة الضمان الاجتماعي
القاضي /محمد سالم ولد اماه
الاختصاص هو السلطة التي خولها المشرع هيئة من الهيئات القضائية للفصل في المنازعات،وفيهذايتماها مفهوم الاختصاص مع مفهوم سلطة الحكم أو ولاية القضاء التي يمنحها المشرع لجميع القضاة دون توزيع أو تجزئة ومن هنا ينشأ الاختصاص كضرورة لتوزيع العمل بين المحاكم والجهات القضائية المختلفة.
ولذلك يقال ان قواعد الاختصاص تبين المنازعات التي تدخل في سلطة كل محكمة أي القواعد التي تبين نصيب كل محكمة من ولاية القضاء.
وفكرة الاختصاص تفترض أساسا تعدد المحاكم داخل الدولة الواحدة إذ لا يتصور وجود دولة بمحكمة واحدة أو قاض واحد.
وتوزيع الاختصاص داخل الهيئة القضائية العدلية إما أن يكون على أساس الموضوع ( النوع أو القيمة)، أو المكان، ومن هنا يكون الاختصاص إما نوعيا أو قيميا أو ترابيا حسب تموقع المحكمة المعنية داخل التصنيف العام للمحاكم وحسب طبيعتها أي بحسب ما إذا كانت من محاكم الحق العام أو المحاكم المتخصصة.
وبالنسبة لموضوع العرض : " الاختصاصاتالقضائيةفيمادةالضمانالاجتماعي" يتضح من استقراء النصوص التشريعية السارية المفعول ان المشرع أعطى صفة محاكم الضمان الاجتماعي لكل من محكمة الشغل ومحاكم الولايات بغرفها المدنية وفي ذلك خروج من المشرع الموريتاني عما جرى به العمل في فرنسا وغيرها من الدول التي يعتبر القانون الفرنسي مصدرا ماديا لتشريعها ، فالمشرع الفرنسي أنشأ محكمة متخصصة تدعى محكمة شؤون الضمان الاجتماعي وهي محكمة متخصصة في حل المنازعات المتعلقة بالضمان الاجتماعي كدرجة أولى يرأسها قاض يساعده ممثلين وقراراتها قابلة للاستئناف أمام الغرفة الاجتماعية بمحكمة الاستئناف، ونفس الطريق سلكه المشرع اللبناني بإنشائه هيئة متخصصة في نظر المنازعات في الضمان الاجتماعي كدرجة أولى؛
وفي الجزائر منح الاختصاص في القضايا المتعلقة بالضمان الاجتماعي الى المحكمة المختصة بالقضايا الاجتماعية طبقا للقانون رقم 84/ 15.
لاشك ان أهمية موضوع "الاختصاصاتالقضائيةفيمادةالضمانالاجتماعي"تتجسد في الأهمية التطبيقية المتوخاة منه خاصة فيما يتعلق بعرض قواعد الاختصاص القضائي في منازعات الضمان الاجتماعي وإبراز الصعوبات والإشكالات التي يطرحها في الواقع العملي وتسليط الضوء على الحلول والمعالجات الإجرائية التي قد تتضمنها المنظومة التشريعية والإجرائية.
فكيف إذا نظم المشرع الموريتاني توزيع الاختصاص في مادة الضمان الاجتماعي بين مختلف الجهات القضائية؟
ان معالجة هذا الموضوع ستكون من خلال جزئين يتعلق الأول منهما بعرض الحالة النصية والتشريعية لتوزيع الاختصاص في مادة نزاعات الضمان الاجتماعي(Ⅰ) أماالجزءالثانيفيتعلقبعرضالإشكالاتالناجمةعنتعددجهاتالاختصاصوالمعالجة الإجرائية لهذه الإشكالات(II).
I. الحالة النصية والتشريعية لتوزيع الاختصاص في نزاعات الضمان الاجتماعي
سبق أن رأينا في مقدمة هذا العرض ان توزيع الاختصاص يكون حسب طبيعة المحكمة المعنية وحسب تموقعها داخل التصنيف العام للمحاكم في التنظيم القضائي ولذلك فإن توزيع الاختصاص في مادة الضمان الاجتماعي تم على أساس معياري الاختصاص النوعي (أ) الاختصاص الترابي (ب).
أـ الاختصاص النوعي في مادة الضمان الاجتماعي :
لاشك ان قراءة متأنية للنصوص التشريعية الموزعة للاختصاص النوعي تجعل صاحبها يخرج بملاحظة هامة وهي ان هذه النصوص تمنح الاختصاص في مادة الضمان الاجتماعي الى أكثر من جهة قضائية واحدة وما ذلك الا أثر لتعدد النصوص المانحة للإختصاص في نزاعات الضمان الاجتماعي.
فقد نص المشرع الموريتاني في المادة 26منقانونالاجراءاتالمدنيةوالتجاريةوالاداريةعلىانمحاكم الولايات "تنظر في غرفها المدنية في القضايا المدنية دون تحديد لقيمتها والمتعلقة بما يلي : …
· نزاعات الضمان الاجتماعي".
كما نصت المادة 306من مدونة الشغل على مايلي:
" تختص محاكم الشغل بالنظر في : ….
الدعاوى الناشئة عن النزاعات الفردية بين مؤسسات الضمان الاجتماعي وأصحاب العمل والعمال.
الدعاوي الناشئة عن النزاعات الفردية بين اصحاب لعمل بمناسبة تطبيق تشريع العمل والضمان الاجتماعي"…
أما المادة 69من قانون الضمان الاجتماعي فقد جاء فيها ان الصعوبات الناتجة عن تطبيق تشريعات وتنظيمات الضمان الاجتماعي المتعلقة بالمؤمنين وأرباب العمل والصندوق باستثناء القضايا الجزائية والنزاعات الأخرى التي تدخل بطبيعتها في خصومات أخرى ، سيتم الفصل فيها من طرف محكمة الشغل الكائنة بمقر الصندوق."
ب ـ الاختصاص الترابي في مادة الضمان الاجتماعي :
ان تعدد النصوص الموزعة للاختصاص النوعي والترابي نجم عنه تعدد في جهات الاختصاص الترابي في نزاعات الضمان الاجتماعي.
ففي حالة اختصاص الغرفة المدنية بمحكمة الولاية نوعيا تأسيسا على نص المادة 26من قانون الاجراءات المدنية والتجارية والادارية هل يكون الاختصاص الترابي طبقا لما هو منصوص في المادة 29من قانون الاجراءات المدنية والتجارية والادارية أي لمحكمة الموطن الأصلي للمدعى عليه أو لمحكمة محل إقامته مع امكانية إعمال الاستثناء الوارد في المادة 31من قانون الاجراءات المدنية قياسا على مادة التأمين الخاص، أم ان هذه المحكمة تتقيد بقواعد الاختصاص الترابي الواردة في قانوني الشغل والضمان الاجتماعي (المادة 307 من مدونة الشغل والمادة69 من قانون الضمان الاجتماعي).
ومهما يكن من أمر فإن المادة 307 من مدونة الشغل نصت على ان الاختصاص الترابي يكون لمحكمة الشغل الكائنة بمكان العمل، اما المادة 69 منقانونالضمانالاجتماعيفإنهاتنصعلىانالاختصاصالترابيلمحكمةالشغلالكائنةبمقر الصندوق، وفي النهاية نكون هنا كما هي الحالة في توزيع الاختصاص النوعي أمام حالة تعدد الجهات المختصة ترابيا في نزاعات الضمان الاجتماعي.
إن آثار هذه الوضعية والاشكالات التي قد تخلقها، والحلول الاجرائية لها ستكون موضوع الجزء الثاني من هذا العرض.
I. الاشكالاتالناجمةعنتعددجهاتالاختصاصوالمعالجة الاجرائية
يهدف هذا الجزء من العرض إلى تبيان الاشكالات التي قد تنجم في واقع لعمل القضائي عن تعدد جهات الاختصاص(أ) وعرض الحلول الاجرائية لهذه الاشكالات(ب).
أ ـ الاشكالات الناجمة عن تعدد جهات الاختصاص في مادة الضمان الاجتماعي
لقد نجم كما سبقت الاشارة إليه في الجزء الأول من هذا العرض عن تعدد النصوص التشريعية الموزعة للاختصاص في مادة الضمان الاجتماعي تعدد في جهات الاختصاص قد ينشأ عنه في ممارسة عملية التقاضي جملة من الاشكالات الاجرائية نعرض لها فيما يلي:
1. وجود محكمتين من نفس الدرجة مختصتين متعهدتين في نفس النزاع، ويجب التفصيل في هذه الحالة بين ان تكون المحكمتان المعنيتين هنا من صنفين مختلفين مثل محكمة الشغل ومحكمة الولاية (الغرفة المدنية) في حالة الاختصاص النوعي في تعهدهما على أساس المادة 306من مدونة الشغل بالنسبة لمحكمة الشغل والمادة 26من قانون الاجراءات المدنية والتجارية والادارية بالنسبة للغرفة المدنية، كما يمكن من جهة أخرى ان تكون المحكمتان المعنيتين من نفس الصنف كأن تتعهد محكمة الشغل في ولاية نواكشوط بالنزاع بناء على المادة 69 من قانون الضمان الاجتماعي التي تعطيها الاختصاص الترابي في نزاعات الضمان الاجتماعي ثم تتعهد محكمة الشغل في ولاية نواذيبو بالنزاع بناء على المادة 307من مدونة الشغل استناد على معيار مكان العمل في تحديد الاختصاص الترابي.
2. إن تتعهد محكمتان بنفس النزاع وان تكون المحكمتان من درجتين مختلفتين ( درجة أولى و درجة ثانية)
3. إن يصدر عن محكمتين مختصتين متعهدتين بنفس النزاع قراران بالتخلي عن القضية.
ب ـ المعالجة الإجرائية لإشكالات تعدد جهات الاختصاص
بالرجوع الى المواد من 50 الى57 منقانونالإجراءاتالمدنيةوالتجاريةوالإداريةيتضحانالمشرعالإجرائيافترضإمكانيةاختصاصعدةجهاتقضائيةبالنظرفينفسالنزاعوانه هيئ لهذه الحالة بعض الحلول والمعالجات الإجرائية خدمة لحسن سير العدالة وتخفيفا لكلفة التقاضي، وتعرف هذه الحلول إجرائيا بالدفع بسابقية النشر
فعندما نكون أمام حالة سابقية نشر أي وحدة النزاع في نزاعات الضمان الاجتماعي بحيث تكون محكمتين من نفس الدرجة مختصتين متعهدتين في النزاع فعلى الأخيرة منهما عرض عليها النزاع ان تتخلى عنه لفائدة الأولى، إذا طلب ذلك أحد الأطراف والا جاز لها ذلك من تلقاء نفسها( م 50من ق. إ. م.ت.إ).
واذا كانت المحاكم المتعهدة بالنزاع ليست من درجة واحدة فإن الدفع بسابقية النشر لا يجوز القيام به إلا أمام محكمة الدرجة الأدنى (م 52مننفسالقانون ).
أماإذا صدر عن محكمتين قراران بالتخلي اعتبر آخرهما صدورا كأن لم يكن (المادة 56من نفس القانون).
ويطعن في القرارات الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى بشان سابقية النشر ويبت فيها وفقا للمسطرة المقررة للدفع بعدم الاختصاص وفقا لأحكام المواد من 38الى 49 من قانون الإجراءات المدنية (المادة 54).
إذا تعددت الطعون فإن القرار تتخذه محكمة الاستئناف الأولى تعهدت فإذا قبلت الطعن تسند القضية إلى إحدى المحاكم المختصة التي ترى انها حسب الظروف مهيئة أكثر للبت فيها( الفقرة الثانية من المادة 54منق.إ.م.ت.إ) ويلزم القرار الصادر عن المحكمة المتعهدة أو اثر طعن بشأن الدفع كلا من محكمة الإحالة والمحكمة المأمورة بالتخلي ( م 55من نفس القانون).